هل سبق لك أن سمعتَ صديقاً يتذاكى بقوله أنه غير متأكدٍ بعد من البيتكوين لكنه يؤمن بتقنية البلوكتشين؟ إن حديثه هذا مشابهٍ لمن يقول أنه يؤمن بالطائرات ولكنه غير متأكد من أجنحتها؛ وغالباً، من يؤمن بهذه المقولة ويُردِّدها هو شخصٌ لم يستوعب ولم يفهم كِلا المقولتين. في الواقع، يعتمد البيتكوين وسلسلة كُتَلته (بلوكشينه) على بعضهما البعض. ولكن إذا تعرَّفت جديداً على البيتكوين، فإن محاولة فهم كيفية عمله، وتحليل معالمه قد تكون صعبةً للغاية. بصراحة، يمكن أن تكون محاولة الفهم شديدة الصعوبة نظراً لتعقيد وكم المشاريع الهائلة، فلا أحد يمتلك الوقت الكافي لتقييم كل هذه الأشياء. أما عملياً، فيوجد مسار سهل ومعقول، ولكن يجب على الفرد أن يعرف من أين يبدأ طريقه. وفي حين يوجد ما يقارب الآلاف من العملات المشفرة ومبادرات البلوكتشين، إلا أنَّ هناك بلوكشيناً واحداً وعملةً واحدةً فقط مهمة ويتمثل ذلك بـِ : البيتكوين. لهذا، لنتجاهل كل شيء آخر وكأن هذه الأشياء غير قائمة، وسنحاول تطوير فهمٍ لسبب وجود البيتكوين وكيفية عمله؛ ليُكوِّن هذا الفهم لنا أفضلَ أساسٍ حتى نتمكن من التفكير في جميع الأشياء الأخرى.
سيكون هذا الأساس أيضاً المَدخل الأكثر عملياً للقارئ؛ فقبل أن تقتنع بالنشرات الإعلانية لتخاطر بعدها بقيمةٍ اكتسبتَها بجهد كبير، خذ الوقت الكافي لفهم البيتكوين ثم استخدِم هذه المعرفة لتقييم هذا المجال. ولكن جدير بالذكر أنه لا يوجد وعد هنا بأنك ستصل إلى الاستنتاجات ذاتها، ولكن في كثير من الأحيان، يصبح، أولئك الذين أخذوا الوقت الكافي لتكوين صورة حدسية لفهم كيفية عمل البيتكوين ولماذا هو موجود أصلاً، أكثرَ قدرة على التعرف وبشكل سهل على العيوب الكامنة في هذا المجال. وحتى لو لم يحصل ذلك، فإن البدء بعملة البيتكوين يظل أفضل أملٍ لك في إجراء تقييم مُطَّلِع ومستقل. ففي نهاية المطاف، لا يتعلق البيتكوين بجني الأموال، كما أنه ليس مشروعاً لتحقيق الربح السريع؛ بل يتعلق الأمر بشكل جوهري بتخزين القيمة التي قُمتَ بجمعها وإنشائها بالفعل، ولا ينبغي لأي فرد المخاطرة بتلك القيمة دون وجود القاعدة المعرفية المطلوبة. ففي عالم العملات الرقمية، يتمتع البيتكوين بأطول سجلٍ إذا ما أردنا تقييمه، وبأكبر قدرٍ من المراجع من أجل التوعية والتثقيف، ولهذا السبب، يُعدُّ البيتكوين أفضل أداة للتعلم.
ولبدء هذه الرحلة، يجب عليك أولاً أن تدرك أن البيتكوين قد تم إنشاؤه خِصِّيصاً لمعالجة مشكلةٍ قائمة في النقود الحديثة. حيث شَرع مؤسس البيتكوين في إنشاء نظامٍ نقدي رقمي قائمٍ على مبدأ نظير إلى نظير دون الحاجةِ إلى وجود طرفٍ ثالث موثوق به، وقد كانت سلسلة الكتل (البلوكتشين) جزءاً جوهرياً من هذا الحل. أما من الناحية العملية، فإن البيتكوين (العملة) وبلوكتشينه مرتبطان ببعضهما، فلا يتواجد أحدهما دون الآخر. فيحتاج البيتكوين إلى بلوكتشينه للقيام بعمله، ولن يكون هناك بلوكتشين تؤدي عملها دون وجود عملة أصلية (البيتكوين) لتحفِّز الموارد بشكل صحيح للقيام بحمايتها. ويجب أن تكون العملة الأصلية ناجعةً وقابلةً للاستمرار كشكلٍ من أشكال النقد لأن ذلك وحده هو ما يتم دفعه من أجل تأمينها، ويجب أن يكون لها خصائصٌ وسماتٌ ذات مصداقية من أجل أن تكون ناجعةً وقابلةً للاستمرار.
فبدون النقد، لا يوجد أمن وحماية، وبدون الأمن والحماية، تنهار قيمة العملة، ومعها تنهار نزاهة السلسلة. ولهذا السبب بالذات، تُعدُّ البلوكتشين مفيدةً في قطاع النقد فقط، حيث لا تنمو النقود بطريقةٍ سحرية على الأشجار. نعم، إن هذا الأمر هو بهذه البساطة. فالبلوكتشين هي جيدة لشيءٍ واحدٍ فقط وهو إزالة الحاجة إلى الأطراف الثالثة الموثوقة التي تعمل في سياق النقد فقط. فلا يمكن للبلوكتشين دعم وتعزيز أي شيء موجود خارج الشبكة. وبينما يبدو لنا أن البلوكتشين قادرة على تَتبُّع الملكية خارج الشبكة، إلا أنه لا يمكنها دعم وتعزيز إلا مُلكية العملة الأصلية لشبكتها فقط. فالبيتكوين يتتبَّع الملكية ويُعزِّزها. وإذا لم تستطع البلوكتشين القيام بالأمرين معاً، فإن السجلات التي تحتفظ بها ستكون غير آمنة بطبيعتها، وقد تكون عُرضةً للتغيير في نهاية المطاف. وفي هذا الإطار، لا يمكن عد الثبات والحصانة كَسِمةٍ متأصلةٍ في البلوكتشين، بل يمكن عدها كخاصية ناشئة. وإذا كانت البلوكتشين غير مستقرة ولا حصينة، فلن تكون عملتها ناجعةً وقابلةً للاستمرار أبداً كشكلٍ من أشكال النقد، وذلك لأنه لن يكون تحويل النقد أو تسويته بشكل نهائي أمراً ممكناً. وبدون وجود تسوية نهائية موثوقة، لن يعمل النظام النقدي، كما أنه لن يجذب السيولة.
ففي النهاية، ستجتمع الأنظمة النقدية على وسيط واحد وذلك لأن فائدة هذه الأنظمة وجدواها تتمثل بالسيولة وليس بالاستهلاك أو الإنتاج. وتجتمع السيولة حول أكثر مخازن القيمة أماناً وحول تلك المخازن التي لها تاريخ طويل الأمد؛ ولهذا، سيكون من غير المنطقي تخزين الثروة في شبكةٍ نقديةٍ أقل أماناً وأقل سيولةً إذا تواجدت شبكة لها أمن وسيولة أكثر، وكانت تلك الشبكة الثانية خياراً مُتاحاً للاستخدام. والأثر الإجمالي المترتِّب من ذلك هو ظهور بلوكتشين واحدة فقط ناجعة وقابلة للاستمرار، وفي النهاية، هي ضرورية. فكل عملة مشفرة أخرى تتنافس على نفس حالة الاستخدام مثل البيتكوين، أي النقد. والبعض يدرك هذه الحقيقة والبعض الآخر يغفل عنها، وبالحالتين، ستستمر القيمة في التمركز حول البيتكوين وذلك لأن البيتكوين يمتلك البلوكتشين الأكثر أماناً وبفارق ضخم عن بقية البلوكتشينات، حيث تتنافس جميعها على حالة الاستخدام ذاتها. إنَّ استيعاب هذه المفاهيم هو أمر جوهري للبيتكوين، كما أنه يوفر ركيزةً أساسية تعطينا القدرة على تقييم الضوضاء التي تدور حول البيتكوين. فمن خلال المعرفة الأساسية لكيفية عمل البيتكوين، يصبح الأمر جليَّاً في سبب عدم وجود بلوكتشين دون البيتكوين.
لا يوجد بلوكتشين
بالعادة، يُنظر إلى سجل معامَلات البيتكوين على أنه البلوكتشين العامة المتواجدة في مكان ما في السحاب، وكأنها ميدان عام رقمي، حيث تجتمع كل المعاملات. لكن، لا يوجد مصدر مركزي للحقيقة، فلا يوجد هنا وسيط روحي، ولا يوجد بلوكتشين عامة مركزية بحيث يقوم كل شخص بتحويل معاملاته بشكل مستقل عن الآخر. وبدلاً من ذلك، يقوم كل مشارك في الشبكة ببناء النسخة المستقلة الخاصة به من البلوكتشين والمحافظة عليها بناءً على مجموعةٍ متعارف عليها من القواعد: فلا يثق أحد بأحد، والجميع يتحقق من صحة وموثوقية كل شيء. فالكل يمكنه الوصول إلى النسخة ذاتها من الحقيقة دون الحاجة إلى الوثوق بأي طرف آخر. وهذا الأمر هو أساسي لفهم كيفية حل البيتكوين لمشكلة إزالة وسطاء الطرف الثالث من النظام النقدي الرقمي.
فكل مشاركٍ يُدير عقدةً داخل شبكة البيتكوين يقوم أيضاً بالتحقق بشكلٍ مستقلٍ من كل معاملة وكل كتلة؛ ومن خلال القيام بذلك، تقوم كل عقدة بتكوين نسختها المستقلة من البلوكتشين. ولهذا، يتم الوصول إلى الإجماع عبر الشبكة بعد قيام كل العُقد بالتحقق من صحة كل معاملة (وكل كتلة) بناءً على مجموعة أساسية من القواعد (وتفوز السلسلة الأطول). وإذا بَثَّت عقدةٌ ما معاملةً أو كتلةً لا تَتْبع القواعد المُجمع عليها، سترفضها العقد الأخرى باعتبارها غير صحيحة. ومن خلال هذه “الميزة”، تَخلَّص البيتكوين من حاجته إلى الأطراف الثالثة المركزية. وبهذا، تتقارب الشبكة لتصبح في حالة تناغم للسلسلة دون أن يثق طرفٌ بأي طرفٍ آخر. ولهذا، تؤدي العملة دوراً أساسياً في تنسيق آلية إجماع البيتكوين وطلب الكتل، والتي في نهاية المطاف، تمثل تاريخ وسجل معاملات البيتكوين الكامل والصحيح (بلوكتشينه).
أساسيات البيتكوين: الكتل والتعدين
فكر في الكتلة على أنها مجموعة من البيانات التي تربط الماضي بالحاضر. من الناحية التقنية، تُسجِّل الكتل الفردية التغيُّرات للحالة العامة لملكية البيتكوين خلال فترة زمنية محددة. وبالمجمل، تُسجِّل هذه الكتل التاريخَ الكامل لمعاملات البيتكوين بالإضافة إلى مُلكية كامل سجل البيتكوين في كل الأوقات، وجدير بالذكر أن التغيُّرات على الحالة هي فقط ما يتم تسجيلها في الكتل العابرة. أما كيفية إنشاء الكتل، وحلها، والتحقق من صحتها فتُعدُّ أمراً بالغ الأهمية لعملية إجماع الشبكة، كما أنها تَضمَن لنا أن يحافظ البيتكوين على عرضٍ ثابت (21 مليون عملة). أما المعدنون، فإنهم يتنافسون لإنشاء وحل الكتل التي يتم اقتراحها على بقية الشبكة من أجل قبولها. ولتبسيط العملية، فكر في وظيفة التعدين على أنها عملية دائمة ومستمرة يتم فيها التحقق من صحة السجل والتاريخ، بالإضافة إلى تصفية معاملات البيتكوين المعلقة. فمع كل كتلة جديدة، يضيف المعدنون سجل معاملات جديد إلى البلوكتشين ويتحققون من صحة كامل السجل للسلسلة، وهذه العملية التي يقوم بها المعدنون هي ما تقوم بتأمين الشبكة؛ ورغم ذلك، فإن جميع عقد الشبكة تقوم أيضاً بالتحقق من العمل الذي قام به المعدنون للتأكد من صحته، مما يضمن لنا تعزيز وفرض قواعد الشبكة المجمع عليها. وللدقة التقنية، ينشئ المعدنون الكتلَ التي تمثل مجموعة البيانات التي تتضمَّن ثلاثة عناصر جوهرية (مرة أخرى للتبسيط):
1. إحالة للكتلة السابقة ← التحقق من كامل صحة وتاريخ السلسلة.
2. معامَلات البيتكوين ← تصفية المعاملات المعلقة (التغيُّرات في حالة الملكية).
3. معاملات (أساس العملة – coinbase) + رسوم ← تعويض المعدنين لتأمينهم الشبكة.
فلحل الكتل، يقوم المعدنون بما يُعرف باسم “إثبات العمل” وذلك عن طريق إنفاق موارد الطاقة. ولكي تكون الكتل صحيحة ومشروعة، يجب أن تكون جميع المدخلات صحيحة ومشروعة أيضاً، ويجب أن تستوفي كل كتلةٍ شروطَ الصعوبة في الشبكة الحالية. ولاستيفاء صعوبة الشبكة، يتم إضافة قيمة عشوائية تُعرف باسم «الرقم الخاص – nonce» إلى كل كتلة، ثم يتم تمرير مجموعة البيانات هذه التي تم تجميعها على خوارزمية التشفير (SHA-256) في البيتكوين. والنتائج التي تتمخض أو «الهاش» يجب أن تتوافق مع صعوبة الشبكة حتى تكون صحيحة. ويمكن تشبيه هذا الأمر بعمليةِ تخمينٍ بسيطة، وبمهمة التحقق من هذا التخمين. فمن الناحية الاحتمالية، يجب تخمين والتأكد من تريليونات القيم العشوائية وذلك من أجل إنشاء إثباتٍ صحيح ومشروع لكل كتلة مقترَحة. إن إضافة قيمة عشوائية قد تبدو أمراً غريباً، لكن هذه المهمة بالذات هي التي تُجبر المعدنين على إنفاق موارد كبيرة من الطاقة من أجل حل الكتل، الأمر الذي يجعل الشبكة في نهاية المطاف أكثر أماناً وذلك من خلال جعل الهجوم مكلفاً للغاية.
إن إضافة رقم عشوائي خاص للكتلة المقترحة، والتي لولا ذلك هي عبارة عن مجموعةٍ لا فائدة لها من البيانات، هي السبب في كَون كل ناتج أو «هاش» فريداً من نوعه. فعند التحقق من كل القيم المختلفة، يكون للنتائج المتمخضة فرصة ضئيلة ومتساوية لتحقيق صعوبة الشبكة (تمثل إثباتاً صحيحاً ومشروعاً). وفي حين يُشار إلى هذا غالباً على أنه معضلة رياضية معقدة للغاية، إلا أنه عملياً، يمكن القول إن ذلك صعباً فقط لأن الإثبات الصحيح والمشروع يتطلب التخمين والتحقق من تريليونات الحلول الممكنة. فلا يوجد هنا طرق مختصرة للحل؛ بل يجب إنفاق الطاقة. لهذا، من السهل على العقد التحقق من صحة الحل، ولكن من المستحيل لها أن تقوم بالحل نفسه دون إنفاق كمية هائلة من الموارد. ومع توافد المزيد من موارد التعدين للشبكة، تزداد صعوبة الشبكة، مما يتطلب فحص وتأكيد المزيد من البيانات، كما أنه يتطلَّب إنفاق المزيد من موارد الطاقة لحل كل كتلة. وبشكل أساسي، هناك تكلفة مادية يتعيَّن على المعدنين دفعها لحل الكتل، ولكن لا يتعين على أي عقدة تَحمُّل أي تكاليف عملياً من أجل التحقق من صحة العمل، بل ويمكن القيام بهذا بسهولة بالغة.
وبالمجمل، إن نظام الحوافز هذا هو ما يدفع الشبكة في اتجاه حتى تتوصل إلى حالة الإجماع. فيجب أن يتحمَّل المعدنون تكلفةً كبيرة وبشكل مُقدَّم سلفاً لتأمين وحماية الشبكة، ولا يتم الدفع لهم إلا إذا كان إثبات العمل الذي أنتجوه صحيحاً ومشروعاً؛ ويمكن لبقية الشبكة بعدها تأكيد ما إذا كان ذلك العمل صحيحاً أم لا بناءً على القواعد المجمع عليها ودون تحمل أي تكلفة. وبينما يوجد هناك عدد من القواعد المُجمع عليها، إلا أنه إذا تم تعليق أي معاملة في أي كتلة إذا كانت غير صحيحة، فإن الكتلة بأكملها ستُعدُّ غير صحيحة. فلكي تكون المعاملة صحيحة، يجب أن تنشأ من كتلةٍ سابقة صحيحة من البيتكوين، ولا يمكن أبداً أن تكون نسخة مكررة من معاملة تم إنفاقها سابقاً. من ناحية أخرى، يجب أن يكون لكل كتلة أحدث نسخةٍ من السجل حتى تكون صحيحة ومشروعة، ويجب أن تتضمن أيضاً معاملةً صالحة من معاملات “أساس العملة – coinbase”. ومعاملات “أساس العملة” تكافئ المعدنين بعملات البيتكوين التي يتم إنتاجها مقابل تأمينهم للشبكة، ولا يتم ذلك إلا إذا كان العمل المُنتَجِ صحيحاً.
كما أن مكافآت “أساس العملة” تخضع لجدول العرض الذي تم تحديده مُسبقاً. فحالياً، يتم إصدار 12.5 عملة بيتكوين جديدة في كل كتلة صحيحة؛ وفي خلال ثمانية أشهر تقريباً، سيتم تخفيض المكافأة إلى النصف لتصبح 6.25 عملة بيتكوين جديدة. وكل 210،000 كتلة (أو كل أربع سنوات تقريباً)، ستقل المكافأة إلى النصف حتى تصل في نهاية المطاف إلى الصفر. وإذا قام المعدنون بتضمين مكافأة غير صحيحة في كتلة مقترحة، فإن بقية الشبكة سترفضها باعتبارها غير صحيحة، وهذه هي الآلية الأساسية التي تَحكم العرض الإجمالي والذي يبلغ أقصاه 21 مليون عملة بيتكوين. ومع ذلك، فإن البرمجيات وحدها غير كافية لضمان العرض الثابت، وضمان صحة سجل المعاملات؛ ولهذا، تقوم الحوافز الاقتصادية بتوفير وجمع كل هذه الظروف الملائمة في مكان واحد.
إجماعٌ على أساس لا مركزي
لماذا يُعدُّ هذا الأمر هاماً للغاية؟ لأنه من خلال مهمة واحدة متكاملة، يقوم المعدنون بالتحقق من صحة التاريخ، ويقومون بتصفية المعاملات، ويتم الدفع لهم لتأمينهم الشبكة، وكل ذلك يتم على أساس انعدام الثقة بأي طرف. فاستقامة العرض الثابت للبيتكوين قد تم تضمينها في وظيفة الأمان الخاصة به. ولأن بقية الشبكة تتحقق من صحة العمل بشكل مستقل، فإنه يمكن الوصول إلى حالة الإجماع هذه على أساس لا مركزي. مثلاً، إذا أتم مُعدِّن ما عملاً صحيحاً، فيمكنه الوثوق بحقيقة أنه سيتم الدفع له على أساس انعدام الثقة بأي طرفٍ من أطراف الشبكة. وعلى النقيض من ذلك، إذا أتم مُعدِّن آخر عملاً غير صحيح، فإن بقية الشبكة ستُطبِّق القواعد، وبشكل أساسي، ستمتنع عن الدفع حتى يقوم بالعمل الصحيح. كما أن عرض العملة قد تم تضمينه أيضاً من خلال مهمة الفحص والتأكيد. فإذا أراد مُعدِّن أن يتقاضى أجراً، سيتوجب عليه أيضاً تطبيق قاعدة العرض الثابت للعملة، مما يزيد من اتَّساق الشبكة بأكملها. فنظام الحوافز للعملة قوي جداً لدرجةِ أن الجميع مُجبَر على الالتزام بالقواعد، وهذا هو الطرف المُسهِّل الرئيسي لهذا الإجماع اللامركزي.
أما إذا قام معدِّنٌ بحل ثم عرضِ كتلة غير صحيحة، خاصة إذا كانت تلك الكتلة تتضمن إما معاملات غير مشروعة، أو مكافآت غير مشروعة لـِ “أساس عملة”، عندها سترفض بقية الشبكة تلك الكتلة باعتبارها غير مشروعة وغير صحيحة. وعلى نحو منفصل، إذا اعتمد معدِّن ما نسخةً من التاريخ بحيث لا تمثل سلسلته أطول سلسلة مع أضخم إثبات للعمل، فإنه سيتم أيضاً اعتبار تلك الكتلة المقترحة بأنها غير صحيحة. فبشكل أساسي، بمجرد أن يرى المعدنون كتلة جديدة صحيحة تم اقتراحها في الشبكة، فإن عليهم البدء وبشكل فوري في البناء فوق تلك الكتلة أو المخاطرة بالتخلف عن الركب وإتمام عملٍ غير مشروع وبتكلفة لا يمكن استردادها. ونتيجة لذلك، وفي كِلا الحالتين، إذا قام المعدنون بإنتاج عمل غير مشروع، فإنهم سيتكبدون تكلفة حقيقية، ولن يتم تعويضهم بأي شيء في المقابل.
فمن خلال هذه الآلية، يتم تحفيز المعدنين بشكل هائل لإنتاج عملٍ صادق ومشروع، بحيث يكون هذا العمل ضمن القواعد المُجمع عليها للسلسلة في كل الأوقات: فإما أن يتم الدفع لك، أو قد لا تحصل على أي شيء. ولهذا السبب تحديداً، فإنه كلما ارتفعت تكلفة أداء العمل، أصبحت الشبكة أكثر أماناً، ولهذا، كلما ازدادت الطاقة المطلوبة لتدوين سجل معاملات البيتكوين أو إعادة تدوينه، قلت احتمالية قيام معدن وحيد بتقويض الشبكة. وبهذا، يزداد الحافز للتعاون بسبب ازدياد تكلفة إنتاج عملٍ قد يُعتبر لاحقاً غير مشروع من قبل بقية الشبكة. ومع زيادة أمن الشبكة، يصبح البيتكوين أكثر قيمة، ومع ارتفاع قيمة البيتكوين جنباً إلى جنب مع ازدياد تكاليف حل الكتل، يزداد الحافز لإنتاج عملٍ صحيحٍ ومشروع. أي أن التكلفة تزداد، ولكن تزداد معها الأرباح. وبهذا، تزداد عقوبة العمل غير المشروع (تكلفة أكثر ودون أرباح).
لماذا لا يتواطأ المعدنون؟ أولاً، لا يمكنهم فعل ذلك. ثانياً، لقد حاولوا. ثالثاً، يمكن القول أن السبب الأساسي هو أنه مع نمو الشبكة بمرور الوقت، تصبح الشبكة أكثر انتشاراً وتتوزع على أماكن عديدة، وبالمجمل، يزداد تعويض القيمة الاقتصادية للمعدنين. فمن منظور “نظرية الألعاب”، كلما ازدادت المنافسة وتكلفة الفرصة البديلة، ازدادت صعوبة التواطؤ، وصعوبة قيام جميع عقد الشبكة بالتحقق من صحة العمل الذي يقوم به المعدنين، والذي هو عمل موجود في حالةٍ دائمةٍ من الضبط والتوازن. فبالكاد يتم الدفع للمعدنين لكي يقوموا بخدماتهم، وكلما ازداد عدد المعدنين، ازداد الحافز للتعاون وذلك بسبب ازدياد احتمالية تعرض المعدنين للعقوبة إذا ما قاموا بعملٍ غير مشروع مع وجود المزيد من المنافسة. وعندما نذكر الآن القيمة العشوائية «الرقم الخاص» التي بدت لنا غريبة عند ذكرها أول مرة، يتضح لنا الآن أنها جوهرية للمهمة التي تتطلب إنفاق موارد الطاقة. إن هذه التكلفة المادية (تَحمُّل المخاطر بنفسك) جنباً إلى جنب مع قيمة العملة تُحفِّزان العمل الصحيح والمشروع، مما يتيح للشبكة التوصل إلى حالة إجماع.
ونظراً لأن جميع عقد الشبكة تتحقق من صحة الكتل بشكل مستقل، ونظراً لأنه يتم معاقبة المعدنين بعقوبات ضخمة إذا ما أنتجوا عملاً غير مشروع، فإن الشبكة تكون قادرة على تكوين إجماع بشأن الحالة الدقيقة للسلسلة، وذلك دون الاعتماد على أي مصدر وحيد للمعرفة أو الحقيقة. ولهذا، لن يكون هذا التنسيق اللامركزي ممكناً دون وجود عملة البيتكوين؛ لأنه يتعين على كامل شبكة البيتكوين تعويض المعدنين مقابل تأمينهم للشبكة، ويتم هذا التعويض بعملة الشبكة الأصلية، سواء أكان ذلك بشكلٍ كبير من عملة البيتكوين التي تم إنتاجها اليوم، أو حصرياً من رسوم المعاملات المستقبلية. ولهذا، إذا لم يتم اعتبار العملة التي يتم بها تعويض المعدنين شكلاً معقولاً وموثوقاً به من أشكال النقد، فلن يكون هناك حوافز للقيام بالاستثمارات لإتمام العمل.
دور النقد في البلوكتشين
إذا قرأنا مقالة لا يمكن نسخ البيتكوين، فسنجد فيها الآتي: إذا كانت الفائدة الاستعمالية الأساسية (إن لم تكن الوحيدة) للأصل هي لمبادلة السلع والخدمات الأخرى، وإذا لم يكن لديه أحقية في موارد الدخل لأصلٍ إنتاجي (مثل الأسهم أو السندات)، عندها، يجب أن يُنافسَ كشكلٍ من أشكال النقد، ولن يخزن القيمة إلا إذا كان يمتلك خصائص نقدية موثوقة. والبيتكوين هو أصلٌ لمن يمتلكه، وليس له أي استخدام سوى تبادل السلع أو الخدمات الأخرى، كما أنه لا يوجد له أحقية في موارد الدخل للأصول الإنتاجية. وبهذا، إن البيتكوين ذا قيمة فقط بسبب كونه شكل من أشكال النقد، ولأنه يتمتع بخصائص نقدية موثوقة (اقرأ كتاب معيار البيتكوين، الفصل الأول). وحسب التعريف، إن هذا الأمر ينطبق على كل البلوكتشينات. فكل ما يمكن أن تقدمه البلوكتشينات مقابل أمنها هو توفير أصلٍ نقدي بعملة الشبكة الأصلية، دون وجود أي مطالبات أو أحقيات قابلة للإنفاذ خارج الشبكة نفسها، وهذا هو السبب في أن البلوكتشينات يمكن أن تكون مفيدةً فيما يتعلق بتطبيقات النقود فقط. يوضح الرسم البياني أدناه من معيار البيتكوين هذه النقطة:
فبدون عملة أصلية للشبكة، ستعتمد البلوكتشين على الثقة لتأمين شبكتها، مما يلغي الحاجة إلى البلوكتشين في المقام الأول. أما من الناحية العملية، فمهمة تأمين البيتكوين (التعدين)، التي تحمي صحة ومشروعية السلسلة على أساس انعدام الثقة بأي طرف، هي مهمة تتطلب استثماراً رأسمالياً كبيراً يتم دفعه مقدماً بالإضافة إلى تكلفة هامشية مرتفعة (استهلاك الطاقة). ومن أجل استرداد هذا الاستثمار، يجب أن يكون معدل العوائد في المستقبل على شكل عملة البيتكوين وبكميات تكون قيمتها أكثر من التكاليف الإجمالية لتعويض الاستثمار، وإلا فلن يقوم أحدٌ بهذه الاستثمارات. فبشكل أساسي، يدفع المعدنون مقابل حماية البيتكوين الذي يجب أن يظل موثوقاً به كشكلٍ من أشكال النقد، وذلك من أجل تحفيز الاستثمارات الأمنية في المقام الأول.
إن هذا الأمر هو أساسي أيضاً لنظام الحوافز الذي يتسق مع الشبكة؛ فلدى المعدنين حافز متأصل من هيكلية الشبكة نفسها لعدم تقويضها، لأنه إذا تم تقويض الشبكة، فسيتم بشكل مباشر تقويض قيمة العملة التي يتم بها تعويض المعدنين. وإذا لم يتم تقييم واعتبار عملة البيتكوين على أنها نقد، لن يكون هناك معدنون، وبدون المعدنين، لن يكون هناك سلسلة تستحق الحماية. فصحة ومصداقية السلسلة، في النهاية، هي السبب الذي يُدفع للمعدنين لحمايته. وإذا لم تتمكن الشبكة من التوصل إلى إجماع بشكل معقول، وإذا كانت الملكية عُرضةً للتغيير، عندها، لا يمكن لأحد الاعتماد على البيتكوين كآليةٍ لتحويل القيمة. فقيمة العملة في نهاية المطاف تحمي السلسلة، وثبات السلسلة وعدم قدرتنا على تغييرها هو أمر أساسي لكي يكون هناك قيمة للعملة. فهي علاقة بطبيعتها تقوم على تعزيز ودعم نفسها بنفسها.
الثبات وعدم القدرة على التغيير هي خاصية ناشئة
إن الثبات وعدم القدرة على التغيير هي خاصية ناشئة في البيتكوين، وليست سمة من سمات البلوكتشين. فلا يمكن لشبكة نقدية عالمية لامركزية بدون سلطة مركزية أن تعمل بدون سجل ثابت وغير قابل للتغيير، (كأن يكون تاريخ البلوكتشين غير مؤمَّنٍ وقابل للتغيير). فإذا لم يكن بإمكاننا تسوية وحدة القيمة (البيتكوين) واعتبارها نهائية وبشكل موثوق، لن يبادلها أحد في المقابل، بشكل منطقي، بأي قيمةٍ في العالم الحقيقي. فعلى سبيل المثال، لنأخذ السيناريو الآتي الذي يشتري فيه أحد الأطراف سيارة من طرفٍ آخر مقابل البيتكوين. فلنفترض أنه قد تم نقل مُلكية السيارة، والشخص الذي اشترى السيارة قد استلمها بالفعل. فإذا كان من الممكن إعادة كتابة سجل مُلكية البيتكوين أو تغييره بسهولة (تغيير تاريخ البلوكتشين)، فإن الطرف الذي قام في الأصل بنقل عملة البيتكوين مقابل السيارة قد ينتهي به المطاف بحيازة كلٍ من البيتكوين والسيارة معاً، بينما يمكن أن يخرج الطرف الآخر في نهاية المطاف خالي الوفاض، ولهذا، إن الثبات والتسوية النهائية هما أمران جوهريان لعمل البيتكوين.
ضع بالحُسبان أن البيتكوين ليس له اطِّلاع على العالم الخارجي؛ فكل ما يعرفه البيتكوين هو كيفية إصدار العملة والتحقق من صحتها. ولا يوجد للبيتكوين القدرة على فرض أي شيء موجود خارج الشبكة (ونفس الأمر مع كل البلوكتشينات). فهذا هو نظام قائم تماماً بذاته، ولا يمكن لشبكة البيتكوين إلا أن تتحقق من صحة جانبٍ واحد في عملية نقل القيمة التي تعتمد على عدة جوانب. وإذا لم يكن بإمكاننا اعتبار تحويلات البيتكوين نهائية وموثوقة، فسيكون من المستحيل عملياً، مبادلة أي شيء له قيمة مقابل عملات البيتكوين. ولهذا السبب، إن ثَبات بلوكتشين البيتكوين وعدم القدرة على تغييرها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقيمة البيتكوين كعملة ولا ينفصل عنها. فالتسوية النهائية في البيتكوين ممكنة فقط لأن سجل معاملاته ثابت وغير قابل للتغيير وبشكل يمكننا الوثوق به. فسجل معاملاته ثابت ولا يمكن تغييره بشكل موثوق وذلك لأن لعملته قيمة. وكلما ازدادت قيمة البيتكوين، ستزداد قدرة البيتكوين على تَحمُّل تكلفة الأمان؛ وكلما ازداد الأمان، ازدادت موثوقية سجل المعاملات.
ففي نهاية المطاف، يُعدُّ الثبات خاصية ناشئة، لكنه يعتمد على الخصائص الناشئة الأخرى للشبكة. وبما أن لامركزية البيتكوين تزداد يوماً بعد يوم، فإن صعوبة تغيير قواعد الشبكة المُجمع عليها تزداد يوماً بعد يوم، وتزداد معها صعوبة إبطال أو منع المعاملات الصحيحة والمشروعة (والذي يشار إليها غالباً باسم مقاومة الرقابة). ونظراً لتزايد قدرة البيتكوين على مقاومة الرقابة، فإن الثقة في شبكته آخذة بالازدياد، مما يجلب المزيد من المتبنِّين، الأمر الذي يزيد من لامركزية الشبكة متضمناً معه مهمة التعدين. ففي جوهره، كلما نما البيتكوين، تزداد لامركزيته، وتزداد معها قدرته على مقاومة الرقابة، مما يعزز من ثبات بلوكتشينه. ولهذا، فقد أصبح من الصعب وبشكل متزايد علينا تغيير تاريخ البلوكتشين وذلك بسبب التضاؤل التدريجي لحصص المشاركين في الشبكة. وبغض النظر عن مدى تَركُّز مُلكية الشبكة والتعدين في نقطة ما، إلا أن كلاهما أصبح لا مركزياً بمرور الوقت خصوصاً مع ازدياد القيمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة ثبات البيتكوين.
البيتكوين، وليس البلوكتشين
إن نظام الحوافز متعدد الأبعاد هو نظام معقد ولكنه جوهري لفهم كيفية عمل البيتكوين، ولفهم سبب اعتماد البيتكوين وبلوكتشينه على بعضهما البعض، ولفهم سبب اعتماد كل أداة منهما على الأداة الأخرى. فبدون إحداهما، ستكون الأخرى فعلياً بلا معنى، وهذه العلاقة التكافلية تعمل فقط في قطاع النقود. فالبيتكوين كسلعةٍ اقتصادية له قيمة كشكلٍ من أشكال النقد فقط، وذلك لأنه لا يوجد له أي استعمال آخر، وهذا الأمر ينطبق على كل البلوكتشينات التي لها عملة أصلية خاصة بها. والقيمة الوحيدة التي يمكن أن يوفرها البيتكوين لنا في نهاية المطاف ستكون من خلال التبادلات الحالية أو تلك المستقبلية. وجدير بالذكر أن الشبكة وبشكل إجمالي تستطيع القيام بالمهمة التالية فقط ولا شيء آخر: تسجيل الملكية، والتحقق من صحة ومشروعية عملات البيتكوين.
وشبكة البيتكوين هي عبارة عن حلقةٍ مغلقة، وعن نظامٍ مستقل تماماً؛ فاتصالها الوحيد بالعالم المادي يتم من خلال مهمتها الأمنية وتصفية المعاملات. فالبلوكتشين تحتفظ بسجل الملكية، ويتم استخدام العملة للدفع مقابل تأمين هذا السجل. ومن خلال مهمة عملتها هذه، يمكن للشبكة توفير مستوى معين من الأمان لضمان ثبات البلوكتشين، مما يتيح للمشاركين في الشبكة الوصول إلى حالة الإجماع بشكل سهل ومستقر دون الحاجة إلى الثقة في أي طرف ثالث. والأثر التراكمي لهذا الأمر يمكن تلخيصه بالنظام النقدي اللامركزي الذي لا يحتاج الثقة بأي طرف، والذي له عرض عالمي ثابت يمكن للجميع الوصول إليه دون إذنٍ من أي أحد.
فالعملات الورقية الحكومية، والنقود السلعية، والعملات المشفرة، كلها تتنافس على حالة الاستخدام ذاتها مثل عملة البيتكوين، سواء أتم فهمها أم لا. وبشكل عام، تميل الأنظمة النقدية إلى الاجتماع على وسيط واحد وذلك لأن فائدة هذه الأنظمة يمكن تمثيلها بتوفير السيولة وليس بالاستهلاك أو الإنتاج. لهذا وعندما يتم تقييم الشبكات النقدية، فسيكون من غير المنطقي لنا تخزين القيمة في شبكة صغيرة، لها سيولة وأمن منخفضَين، خصوصاً إذا كانت هناك شبكة أكبر ولها سيولة وأمان أكثر من الشبكة السابقة، وكانت هذه الشبكة الأكبر متاحة لنا كخيار يمكن استخدامه. فالبيتكوين له قيمة، ليس بسبب خاصية معينة، بل لأنه حقق ندرة رقمية مطلقة. وهذا الأمر هو عماد كَون البيتكوين آمن كشبكة نقدية، وهي خاصية تعتمد على العديد من الخصائص الناشئة الأخرى.
من ناحية أخرى، فالبلوكتشين هي ببساطة اختراع أصلي للبيتكوين تتيح له إزالة الأطراف الثالثة الموثوق فيها، ولا تخدم أي هدف آخر. فهي قَيِّمة في البيتكوين فقط، تماماً كأهمية قطع الأحجية المفردة بالنسبة للأحجية الكاملة، وستكون عديمة الفائدة إذا لم تتناغم بعملها مع العملة. فنزاهة ندرة البيتكوين وثبات بلوكتشينه يعتمدان في النهاية على قيمة العملة نفسها. فالثقة في الوظيفة الإجمالية تدفع بالمزيد من التبني والسيولة، الأمر الذي يعزز ويقوي قيمة شبكة البيتكوين بشكل إجمالي. وعندما يتبنى الأفراد البيتكوين، فإنهم وفي نفس الوقت يعزفون عن الانخراط في الشبكات النقدية الأقل شأناً. وهذا هو سبب أساسي في استحالة تكرار الخصائص الناشئة في البيتكوين (تقريباً)، وهو سبب ازدياد قوة خصائصه النقدية بمرور الوقت (على نطاق أكبر)، وهو أمر يكون على حساب الشبكات النقدية الأقل شأناً.
“لا أعتقد أننا سنحصل على نقود جيدة مرة أخرى قبل أن نستعيد زمام الأمور من أيدي الحكومات، أي أننا لا نستطيع الحصول على ما نريد من الحكومات باستخدام العنف، لذلك، كل ما يمكننا القيام به هو العمل وفق بعض الطرق الملتوية، وذلك بتوفير شيء يتعذر عليهم إيقافه”. « ف.أ هايك»
في النهاية، إن البلوكتشين مفيدةً فقط في تطبيقات النقود وذلك لأنها تعتمد على العملة الأصلية من أجل تأمينها. ويمثل البيتكوينُ البلوكتشينَ الأكثرَ أماناً وبفارقٍ ضخمٍ عن بقية البلوكتشينات. ونظراً لأن جميع البلوكتشينات الأخرى تتنافس على حالة الاستخدام الأساسية ذاتها للنقد، ونظراً لأن “تأثير الشبكة” للبيتكوين يستمر في زيادة أمان وسيولة البيتكوين في هذا المجال، فلا يمكن لأي عملة رقمية أخرى منافسة البيتكوين. فالسيولة تُولِّد سيولة، وتميل الأنظمة النقدية إلى اختيار وسيط واحد كمهمة ثانوية. فأمن وحماية وسيولة البيتكوين قد قضت على كل العملات المشفرة في مهدها قبل أن تُبصر النور. فإذا وجدتَ عملة مشفرة لها درجة قريبة من البيتكوين في الأمن أو السيولة أو في مصداقية خصائصها النقدية، فسآتي لك بلبن العصفور.
فالمنافسة الحقيقية للبيتكوين كانت وستظل مع الشبكات النقدية التقليدية، وبشكل أساسي مع الدولار، اليورو، الين، والذهب. لهذا، فكر في البيتكوين بطريقة مشابهة لهذه الأصول النقدية التقليدية. فالبيتكوين ليس موجوداً في الفراغ، إنه يمثل خياراً مرتبطاً بأشكال أخرى من النقد. قُم بتقييمه بناءً على القوة النسبية لخصائصه النقدية، وبمجرد تَوصُّلك لخطٍ مرجعي بين البيتكوين والأنظمة التقليدية، فإن هذا الخط سيوفر لك أساساً صلباً كي تُقيِّم أي مشروع آخر له علاقة بالبلوكتشين بشكل سهل.
لتعلُّم المزيد، أَقترح عليك قراءة معيار البيتكوين «سيف الدين عموص»، واختراع البيتكوين «يان بريتزكر»، وإتقان البيتكوين «أندرياس أنتونوبولوس» بهذا الترتيب.
المقالة الأصلية: Bitcoin, Not Blockchain
الكاتب الأصلي: Parker Lewis
ترجمة: أحمد محمد حمدان