البِتكُوين: الفرصة الثانية للعالم الإسلامي

الصورة الرمزية لـ Ahmad

البِتكُوين هو النقد السليم الذي يحتاجه العالم الإسلامي للانخراط في المستقبل

إن القمع العثماني للصحافة المطبوعة هو المثال الحي لحالة الجمود الفكري الحاضرة في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من عدم وجود حظر شامل، إلا أنه لا يمكن إنكار ضياع الفرص الهائلة المتمثلة بـِ : فشل الحضارة في التكيُّف مع التغيُّرات التقنية غير المسبوقة التي تحدث عند دول الجوار. ففي عصرها الذهبي، قدمت هذه الحضارة للعالم أجمع كلٍ من الجامعات، المستشفيات، البصريات، علم الجبر، بل وكانت سبَّاقة في موضوع الصحافة، ولكنها الآن تخلفت عن الركب في تبنيها للتقنيات الحديثة، حتى إن كتابها المقدس، القرآن الكريم، لم تتم طباعته على نطاق واسع إلا بعد 300 عامٍ من قيام «يوهانس جوتنبرج» بإخراج الإنجيل المطبوع.

التراجع والانحدار

إن حجر الأساس في الإسلام كان مختلفاً تماماً في طبيعته وصفاته: فهو تَجمُّعٌ حيوي متنوع من النساء والرجال الذين تميزوا بانفتاحهم على الأفكار الجديدة، كفكرةِ وجود إلهٍ واحدٍ من بين العديد من “الآلهة المتنافسة”، وفكرة وجود بِتكُوينٍ واحدٍ من بين العديد من العملات “الزائفة المتنافسة” … عذراً … لقد أخطأت … لقد خلطتُ بين الأزمان والعصور! على كل حال، إن التآخي في بدايات الإسلام، جنباً إلى جنب مع حرص الإسلام الشديد على قيام نظام اجتماعي واقتصادي عادل، هو أيضاً أمر هام ومُبتَكر في ذلك الوقت: “فهو يمثل تقاطعاً للتفكير متوسط القدرات، الذي تجاوز بدوره الحدس في التاريخ الديني”. فوضعُ التساؤلات الفكرية بشكلٍ متساوٍ مع التجارب الروحانية، قام بتمهيد الطريق للقدماء للخوض والتعمق في مسائل الشك العلمي، الفلسفة التجريدية، والمسائل التجريبية، لدرجةِ أن «روبيرت بريفولت» ذهب إلى أبعد من ذلك، وصرَّح بأن: “«روجر بيكون» هو مجرد رائدٍ وناقلٍ واحدٍ للعلم الإسلامي وأساليبه.”

لكن في نهاية المطاف، توقفت البهجة، وقام السوق بتصحيح نفسه! وهناك العديد من التفسيرات لحالة الانهيار التي حدثت، معظمها صحيح جزئياً، وامتدت لعقود وقرون، ولكن إذا أردنا توجيه أصابع الاتهام، كما تُمليه علينا الطبيعة البشرية، في حدث رمزي عابر، فلا بد من الإشارة إلى تدمير المغول لبيت الحكمة، #نهب_وسقوط_بغداد. ففي عصر الوثائق المخطوطة، تم إلقاء الكثير من الكتب الموجودة في مكتبات بغداد إلى نهر دجلة، لدرجة أنه أصبحت الأحصنة قادرة على أن تمشي فوقها، وقد ارتوى النهر بحبر العلماء الذي خُطَّت به تلك الكتب، وازداد ارتواءً بدماء الشهداء.

بعد أن فقدت الأمة الإسلامية الكثير من مفكريها، إضافةً إلى فقدان كمٍ هائلٍ من إرثها ورأس مالها الفكري في تلك الفترة المضطربة، اتضح أن رد فعلها كان متخبطاً، (لأسباب مفهومة)، تماماً كرد فعل شخصٍ متدرب وجد نفسه مسؤولاً عن حواسيب مركزية حساسة، وتزامن ذلك مع استقالة كافة مدراء الأنظمة فجأة من مناصبهم، أو وفاتهم، أو اختفائهم. إن أفضل رد فعلٍ لك في هذه الحالة يمكن تمثيله بالآتي: أنا لن أعبث بهذا النظام. والأوامر الوحيدة التي سأنفذها هي تلك التي صدرت من مدراء النظام الموقرين الأربعة – مؤسسو مدارس الفقه الراسخة.

وبهذا الحال، ظلت الدراسات الإسلامية في وضع الصيانة لمئات السنين. ففي الباكستان وحدها، هناك أكثر من 12،000 مدرسة تُدرِّس بشكل روتيني قواعد وأنظمة تبادل الذهب والفضة، رغم مضي قرون على استبدال استخدامهما اليومي بالنقود الورقية الحكومية.

نجاة وبقاء المعتقدات والتعاليم الأساسية

هنا نجد مفارقة مذهلة. فهذا الجمود-الفكري للتجديد والابتكار، الذي نرفضه بخلاف ذلك، قد نجح لدرجةٍ ما بأداء الأمر الذي أُنشِئ من أجله: فلقد حمى المبادئ الأساسية من تعرضها للتقويض والتحريف بشكل كبير، أو من تمييعها بشكل مقصود إذا وُضعَت بأيدي الانتهازيين. وهذا الأمر مشابهٌ للحالة القائمة في الولايات المتحدة، فكما قام الحذر الشديد والإجماع في عدم تغيير دستور الولايات المتحدة بحماية مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها فيه، فالشريعة الإسلامية أيضاً، والمبادئ المالية الأساسية المنصوصة بها، ظلت بمثابة شوكة في حلق الإصلاحيين المحتملين الذين حاولوا وما زالوا يحاولون إضفاء صبغة الشرعية على النقود الحكومية وعلى النظام المصرفي الحديث وذلك تحت اسم التمويل الإسلامي. فطلاب المدارس شبه المتعلمين والبالغ عددها 12،000 مدرسة، يرددون كالببغاوات أحكام التبادل العادلة للذهب والفضة من مناهج موضوعة في القرن السابع عشر، والتي استندت إلى أعمال باحثٍ من القرن التاسع. وهؤلاء الطلاب كانوا بصورة غير مقصودة صائبين برأيهم بشكل أكبر من صحة التعاليم الموجودة في درجة الدكتوراة في القطاع المالي من جامعة هارفارد، والتي يتم تلقينها لمن يتخصص في النظام المالي المضلل والفاسد القائم على النقود الحكومية! لقد حدث كل ذلك لأن محمد ﷺ فرض النقد الصحيح، مثل «ميزس» و«هايك» من بعده، وهذه عقيدة تبلورت بشكل ثابت في الفقه الإسلامي.

فنبي الإسلام، الذي كان رجل أعمال أيضاً، كان ذو فطنة شديدة في الاقتصاد والقطاع المالي. وبلغةٍ حديثة وباستخدام مصطلحات هذا العصر، لقد ارتقى سلم الشركة ليصبح واحداً من أصغر الرؤساء التنفيذيين في عصره، وقد أُوكِلت له مهمة تطوير إمبراطورية الأعمال غير الناجحة لرائدة الأعمال الحُضرية (من المدن) – خديجة. وبسبب إعجابها بشخصية النبي، عرضت خديجة عليه الزواج ​​دون تأخير، مما أسس ثنائياً جباراً غيَّر مجرى التاريخ.

وكما قام المسيح بطرد مُقرِضي المال من المعبد الثاني، فإن نبي الإسلام أيضاً كان يحتقر الربا، وحرَّم معظم المناورات الرأسمالية المرتبطة به، تلك التي تساهم في حدوث التفاوتات في الثروة الإجمالية كامتلاك 10٪ من الأشخاص لـِ 76٪ من الأصول. ولهذا السبب، قام بوضع بعض القواعد الأساسية التي تشكل أساس المبادئ المالية الإسلامية:

  1. حرَّم الربا، بما في ذلك الفوائد. وباحترام القيمة الزمنية للنقود، يكون القصد من التحريم هو إنشاء نظام مالي يتم به مشاركة وتقاسم الربح والمخاطِر بين رواد الأعمال والمستثمرين. ومن منظور النقد السليم، فإن هذا الأمر يحرِّم العملية الأساسية الخاصة بإصدار سنداتٍ بفوائد، وإصدار سندات الخزانة التي يمكن للبنك المركزي أن يُضخِّم المعروض النقدي مقابلها.
  2. حرَّم عدم اليقين (الغَرر)، المتجسد في قوله:” لَا تَشْتَرُوا اَلسَّمَكَ فِي اَلْمَاءِ; فَإِنَّهُ غَرَرٌ “. إن هذا الأمر يلغي إمكانية وجود احتياطي جزئي، حيث لا يمكن تحويل الديون المستحقة إلى نقود، والتداول بها بعد ذلك، ما لم يتم سدادها أولاً. كما أنه يغلق “الحنفية” على عدد لا يحصى من المشتقات المالية والتي من شأنها أن تزيد من تضخم المعروض النقدي.
  3. حَرَّم المضاربة (الميسر)، التي تشمل القمار الواضح والصريح. وهناك بعض العلماء ممن يعدون المشاركة في أسواق المضاربة، مثل ظاهرة عملة الدوجكوين، بأنها تقع ضمن نطاق هذا الحكم.
  4. فَرَض النقد السليم. إن ضريبة الزكاة المفروضة في الإسلام مقومة (يتم احتسابها) بالنقد السليم. فالحكومات المسلمة تأخذ سعر الذهب بالسوق، ثم تحوله إلى ما يعادله بثمن النقود الحكومية، وتعلن للجمهور عن القيمة التي تم تحويلها لدفع فريضة الزكاة. ولكن من وجهة نظر قانونية، فهي تؤسس بشكل دائم على أن الذهب والفضة (بالإضافة إلى أصنافٍ كاملة من المنتجات الأخرى) هي نقود معترف بها دينياً في الإسلام وبشكل دائم.

إن هذه النواهي والتحريمات راسخة ٌبما يكفي في الفقه الإسلامي لدرجةِ أن أي شخص ينتهكها يمكن عدُّه من الناحية الفنية على أنه ” في حرب مع الله ورسوله”. وهذا هو سبب تمسك منهج المدرسة بـ “مال الطبيعة”: الذهب والفضة.  

لكن بطبيعة الحال، إن الحكومات الكبيرة، سواء أكانت إسلامية أو غير ذلك، فهي من نفس الطينة: فالمصلحة الذاتية عند هذه الحكومات تسود على المبادئ الأخلاقية. ففي الباكستان وحدها، تم عرقلة وتأخير الدعوى الدينية ضد القطاع المصرفي الذي يعمل بالنقود الحكومية  لأكثر من 40 عاماً في المحاكم. فسياسات تمويل العجز جذابة للغاية لدرجةِ أنه لا يوجد أحد ممن يرغب في التخلي عن عصا هذا النقد السحري، فقد سحرتهم هذا النقود، سحرتهم كلهم.

على الرغم من وجود هذه النواهي والمحظورات، حتى في الدول التي يهيمن فيها الدين على القيم الاجتماعية، إلا أن المسلمين لا زالوا يشعرون بالارتياح تجاه النقود الحكومية لأنها كانت مقنَّعة في البداية على أنها “إيصالات إيداعٍ للذهب”، الأمر الذي “خدع” الفقهاء وقاموا بإيجازها، وفشل الفقه الإسلامي في تدارك تقليل الدعم الحاصل في هذا الأصل، لدرجةٍ أوصلته إلى هذا الحد من العدمية.

محاولات الإصلاح

بعد حدوث موجةٍ من الاستقلالات الوطنية في الدول، انتشرت أربع نشاطات مختلفة فيما يخص القطاع المصرفي في الدول الإسلامية.

  1. أولاً، التطبيق السائد للقطاع المصرفي الحديث أرسى جذوره في كل الدول الإسلامية، وتم تطبيقه تماماً مثلما تم عند نظرائه الغربيين.
  2. ثانياً، حاول القطاع المصرفي الإسلامي إعادة تشكيل الأمور بشكل طفيف، وحاول العلماء والفقهاء المطلعون على كلٍ من الاقتصاد والشريعة “أسلمة” الخدمات المصرفية عبر النظام الأكاديمي الجديد المُسمى “التمويل الإسلامي”. ولكن بدلاً من العمل بأمانةٍ وإخلاص على إنشاء منصاتٍ وتمويلٍ قائم على العدل ومشاركة وتقاسم المخاطر، فقد تم اتباع نهج العقد الثلاثي الذي كان شائعاً في العصور الوسطى، بمعنى أنه تم عملياً استنساخ المنتجات المالية القائمة مسبقاً، ومعها تم إرفاق عدد كبير من الأوراق البحثية لتبرير ذلك. وهذا أمر مشابهٌ للاقتباس الكوميدي التالي من حقبة الحرب الباردة: “الشيوعية هي الطريق الأطول والأكثر إيلاماً لتطبيق الرأسمالية من الرأسمالية ذاتها”. وقد اتَّضح أيضاً أن التمويل الإسلامي المعاصر أصبح الطريق الأكثر إيلاماً وطولاً وتعرجاً لتطبيق القطاع المصرفي التقليدي من القطاع المصرفي التقليدي ذاته، مع تزيينه بأسماءٍ عربية! إن الكيفية التي خدع بها المصرفيون المحترفون هؤلاء العلماء والفقهاء، واختطفوا فيها هذا الجهد يشرحها «هاريس عرفان» بشكل ممتاز في البودكاست الذي تم إجراؤه مع سيف الدين عموص.
  3. ثالثاً، لا تزال هناك أغلبية كبيرة ولكنها صامتة من علماء المسلمين الذين لا أَلسُن لهم، والذين ينظرون إلى جميع أشكال الأعمال المصرفية بشكٍ وريبة، لكن الفجوة المتزايدة بين علمهم ومعرفتهم وبين ما يدرسونه، إضافةً إلى وجود التعقيدات المتصلة بالتمويل المعاصر جعلتهم غير قادرين على دعم روايتهم ونشرها.
  4. أخيراً، هناك جماعةٌ عددها أقل بكثير من علماء وفقهاء الدين الإسلامي، مثل أتباع النهج الصوفي لمعتنقٍ للإسلام من أصل بريطاني، مع تلميذه من أصلٍ باسكي، بالإضافة إلى وجود فقيهٍ من «ترينيداد»، والذي نجح بتحديد المشكلة الجوهرية في القطاع المصرفي الحديث من منظور الشريعة: أساسها النقدي. فلا يمكنك “أسلمة” المصارف إذا لم تقم بإصلاح النقود التي تقوم عليها هذه المصارف! ومن هذا الأساس، جاءت محاولتهم لإحياء الدينار الذهبي الإسلامي التقليدي كبديل نقدي سليم للعملات الورقية الحكومية.

الدينار الذهبي: البديل الإسلامي الحقيقي

يمكن النظر إلى النقود الورقية ومشروعيتها من خلال مفهوم هام في الفقه الإسلامي، وذلك عبر مقاصد الشريعة: وهي المقاصد والأهداف من وجود هذه الشريعة. ولتوضيح هذا الأمر، سنستخدم مثالاً مثيراً للجدل. لنفكر في الحكمِ الشرعي الذي ينص على أنه لا يمكن معاقبة الرجال والنساء على ارتكاب فاحشة الزنا إلا إذا تم تقديم أربعة شهود عيان على وقوع هذا الفعل الجنسي (وهو أمر مستحيل بشكل عام). في حين أن الإسلام يبغض الزنا، فإن المقاصد هنا تكمن في محاولةِ العلماء في فهم السبب، بدلاً من وجود حكمٍ يفرض العقاب بكل سهولة وبشكل سريع. فهناك حكم شرعي موجود يجعل علينا من المستحيل عملياً تطبيقه. لقد “اجتهد” العلماء والفقهاء وصرحوا بأن هذا الحكم موجود لحماية خصوصية الناس، وللحماية من التدخلات الفضولية للمجتمع ولشهيته في فرض العقاب. ووفقاً لمحمد أسد، “..إن إثبات الزنا يعتمد على اعترافٍ طوعي قائم على ثقة وإيمان الأطراف المذنبين أنفسهم بارتكاب الفعل”. وبهذا، تشير المقاصد إلى أهدافٍ اجتماعية قِّيمة تهدف الأحكام الشرعية إلى تحقيقها.

بنفس الطريقة، فإنه يتم شرح الأساس المنطقي للأحكام الشرعية المالية من حيث مقاصدها وأهدافها المتمثلة بـِ: توزيعٍ عادلٍ للثروة، ونقد لا تتم عليه أي عمليات تقوِّض قيمة عملته، وعقد عملٍ لا يوجد به استغلال ربوي، ونظامٌ رقابي يزيد ثروة الناس ورفاهيتهم. ومن خلال استخدام بديهةٍ بسيطةٍ للغاية، يتضح لنا أن العملات الورقية الحكومية تنتهك مبدأ النزاهة والعدالة في المجتمع: حيث تقوم الجهات التي تُصدِر النقد بسرقة القوة الشرائية للناس، وتقوِّض من قيمة أموالهم. لتوضيح هذا المبدأ باستخدام آياتٍ من القرآن، يمكننا أن نستشهد بالآية 3:75، “وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ”. إن البنك الإسلامي الحديث، إذا تم تكليفه بأموال تعادل قيمتها قيمة كيسٍ من الذهب، فإنه يعيد لك 90٪ فقط من قيمته من ناحية القوة الشرائية، بسبب التآكل التضخمي، ولهذا فهو جزء من نظام ينتهك مقاصد الشريعة بشكل واضح.

ولهذا، فقد فشلت البنوك الإسلامية بشكل كامل في تبني المبدأ الأساسي المتمثل في تقاسم المخاطر وإلغاء الفائدة (حيث أن الفائدة موجودة في عملية إصدار النقود التي بُنيت عليها). وأما البديل الإسلامي الحقيقي الوحيد الذي تم اقتراحه فقد تَمثَّل في حركة الدينار الذهبي. بدءاً من القطاع المصرفي الإسلامي (وفي كثير من النواحي قبل ذلك)، (مع صك أول دينار حديث عام 1992)، فقد كان دقيقاً بشكل كبير في تقييمه، وفي وعلاجه المقترح لمعضلة النقد: العودة إلى الدينار الذهبي“. لقد كان هذا في العصور الماضية، عندما كانت أهم وسيلة (الأداة الذهبية) في الكفاح ضد النقود الورقية الحكومية هي الذهب نفسه، والذي شاع آنذاك وعُرِف باسم الاقتصاد النمساوي، والذي نادى به القادة العادلون أمثال «رون بول»، واعتمده النشطاء الشعبيين أمثال «برنارد فون نوتهاوس». وقد شهد العالم الإسلامي موجةً من النشاطات من أجل النقد السليم، بقيادة أكثر المؤيدين نشاطاً، «عمر فاديلو»، والمبادرات المرتبطة بها مثل “وكالة نوسانتارا” و”الدينار أولاً” و”وكالة دينار” الخاصة بي. إن البدء في إصدار الدينار الذهبي من قِبل  ولاية «كيلانتان» هي لحظة مشابهة في تفاصيلها للحظة استخدام البِتكُوين في مدينة «إل زونتي»، وقد كانت مليئة بالنشوة والوعود التي تردد صداها على مستوى العالم. فشغف وشجاعة هذا العدد المفعم بالحيوية من “المحاربين” الصوفيين مَثَّلَ أفضل ما هو موجود عند المسلمين المعاصرين: وهم أشخاص ذوو معرفة عميقة، منخرطون في النشاطات الشعبية، بهدف إصلاح أكثر التحديات صعوبة في العالم المعاصر.

ومع ذلك، فإن ميزة الذهب الأساسية، المتمثلة بعدم قابليته للتدمير المادي، كانت عقبةً في طريق تبنيه: فقد حالت العوائق اللوجيستية والتنظيمية من التدفق الحر للعملات الذهبية المادية عبر الحدود بين الدول. وعلى حد تعبير مؤسسها، الشيخ عبد القادر، “إن الآليات الدفاعية للرأسمالية المتأخرة اليوم، وإدارتها للأزمات فيما يخص كلٍ من عمليات الشراء، ونقل وصك الذهب، قد أعاقتها من خلال وجود الأثمان والضرائب الباهظة”. فاستخدام الذهب ما زال يمثل رمزاً محفزاً لمحاربة الربا، لكن استخدامه، من ناحية عملية، كوسيلة تحوط ضد التضخم، أو أن يكون جزءاً من حركة كبيرة على مستوى الأمة تدعو من أجل اعتماده كنقدٍ سليم، اتضح أنه هدفٌ صعب المنال.

فبدون الدينار الذهبي، تبدو الصورة قاتمةً، ولكن يبدو أن هناك بصيص أمل جاء من أكثر الأماكن غير المتوقعة: حيث فشل العلماء والفقهاء والاقتصاديون والثوريون، ونجح العباقرة غريبو الأطوار!

أُدخل أيها الأمير «ساتوشي»

ظهور عملة البِتكُوين

بالنسبة لنا في حركة الدينار الذهبي، إن مستخدمي البِتكُوين هم إخواننا في السلاح: فنحن نكافح ضد العدو نفسه، ونحاول تأمين الهدف ذاته. وهذا ما كنت دائماً أدعو إليه زملائي النشطاء في حركة الدينار، منذ عام 2012.

نبينا ﷺ، وكذلك الخلفاء الراشدين، لم يَحطُّوا أبداً من قيمة النقد، ولم ينتفعوا من رسوم إصدار العملات، وأعطونا الحق في اختيار وسائل التبادل الخاصة بنا. وهذه أمور تتناقض بشكل أساسي مع القوانين الفاسدة للعملات القانونية، التي تم بها خداع علماء وفقهاء المسلمين لإضفاء الشرعية عليها وإجازتها مستخدمين ذرائع مختلفة، (مما يكشف لنا الداعي لزيادة درجة الإلمام بالشؤون المالية في هذه الفئة). إن هذه الحرية في اختيار العملة من شأنها أن تُشكِّل لنا الأرضية المشتركة التي يمكن لنا ولمستخدمي البِتكُوين الالتفاف معاً حولها.

“يجب الوثوق بالبنك المركزي في عدم قيامه بتخفيض قيمة العملة، لكن تاريخ العملات الورقية الحكومية مليء بالأمثلة على انتهاكات تلك الثقة”، هذا ما كتبه «ساتوشي». فلقد استطاع تحديد مشكلة العملات الورقية الحكومية وشَرع بالبدء في إصلاحها باستخدام البِتكُوين، وتلك اللحظة كانت لحظة عظيمة أطلقت العنان لهذا النمو، وشكلت مجموعة منتشرة بكل العالم من المخلصين له، إلى حد التباهي بالبِتكُوين فيما يُطلَق عليهم اسم (المغاليين) Maximalists، وهم قريبون منا في الجوهر والمعتقدات، ولكنهم مختلفون عنا في المظهر الخارجي. أنا أرى مستخدمي البِتكُوين، ليس فقط في شجاعتهم ودهائهم، ولكن في براعتهم وعبقريتهم أيضاً في اختيار سلاحهم، وهو سلاح لا يقل في عبقريته عن عبقرية «ديفيد» المعاصر الذي هزم «جالوت»، الذي يمثل النظام المصرفي التقليدي.

من منظور إسلامي، الآية القرآنية العملية في نقد حركة البِتكُوين هي الآية الكريمة التالية 49:13: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. وفي مجال الأمور النقدية، إن أكثر الناس استقامةً وإخلاصاً هم أولئك الذين يدعمون النقد السليم. ومن المتوقع أن يؤكد الله على صفاته الإلهية في الآية كنوعٍ من التنبيه والتحذير على أن فهمنا الديني “الرمادي” للحق قد لا يكون بالضرورة هو نفسه كما هو في المعرفة، والإدراك. (فمصطلح التقوى، يعني أن هناك شيئاً يحميك من غضب الله.). وحسب معلوماتي، إن حماية الفقراء ومساعدتهم، وهم الفئة المسحوقة من فخ النظام المالي المجحف بحقهم هو أمر بالتأكيد متوافق مع تعليماته سبحانه وتعالى.

فرصة ثانية

لقد شرعنا نحن المسلمون في إقامة مجتمعٍ عادل ومنصف، وقد نجحنا في تلك المهمة لبعض الوقت، على حد تعبير «ديفيد جريبر»: “بمجرد أن تحررنا من ويلات الديون والعبودية التي كانت قائمة آنذاك، لم تعد الأسواق المحلية بالنسبة لمعظم الناس مكاناً خطِراً أخلاقياً، بل على النقيض من ذلك: أصبحت أماكن تجسد أسمى صفات الحرية الإنسانية والتضامن المجتمعي، ولذلك تم حمايتها بلا هوادة من تدخلات الدولة”. لكن تدريجياً، ومع تراجع ​​قادتنا على المستوى السياسي والفكري في العالم، وجدنا أنفسنا مفلسين اقتصادياً، وغارقين في نظامٍ مالي فاسد، وقد تم استعبادنا عن طريق إملاءات صندوق النقد الدولي.

لقد كان السبب الرئيسي في وصولنا لهذا الحد من براثن الفقر هو اتساع الهوة في حصولنا على المعرفة الحديثة. والنقاط القادمة تمثل الحلقة المفرغة، التي تتكون من ثلاثة عوامل تعتمد على بعضها البعض، وهي حلقة تجسِّد واقعنا الحالي:

  1. تخصيص رأس مال قليل لقطاع التعليم. إن الاقتصادات الضعيفة بشكل عام لا تخصص إلا نسبةً قليلةً من المخصصات للاستثمار في قطاع التعليم وخاصةً في المجالات العلمية والإنسانية، وهذه مجالات مطلوبة لقيام رأس مال بشري منتج.
  2. رأس مال بشري ضئيل. إن العامل الأول يؤدي إلى انخفاض جودة التعليم لدى السكان، ويتجلى ذلك في المجال السياسي عن طريق القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها على مستوى الدولة، وفي الانخراط في النزاعات، وسوء الإدارة الاقتصادية، والاستحواذ على الديون، والفشل في الحد من الفساد. من الناحية الاقتصادية، تنشأ لدينا قوة عاملة لا تتمتع بالكفاءة ولها إنتاجية منخفضة، ويصبح هناك شحٌ في ريادة الأعمال، وتبني غير فعال للتقنيات. أما من الناحية الدينية، فقد يسمح هذا الأمر بانتشار العنف والتطرف في المناطق التي تكثر بها الانقسامات الطائفية.
  3. انخفاض الناتج الاقتصادي. إن العامل الثاني يؤدي إلى استمرار الاضطرابات الاقتصادية، حيث يكون المجتمع بأسره متواجداً في وضع الصيانة، بدلاً من وضعٍ يقوم فيه بـِ “إضافة ميزات جديدة”. وهذا الأمر يدفعنا مرة أخرى إلى النقطة الأولى.

إن هذه الصورة تمثل الحلقة المعيارية لحالة الفقر التي تظهر على المستويات الكلية، والتي تعتقد الكثير من القوى المتنافسة أنه بإمكانها أن تخرج منها. فالجيش، رجال الدين، والليبراليون، بعيدون كل البعد عن تحقيق ذلك. وحتى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تمتلك وصفات لكيفية حل مشاكلنا. ولكن هذه التدخلات السياسية والاقتصادية المؤقتة لن تعطينا نتائج مستدامة، وذلك لأنه لا يتم بناء الدول إلا من قبل رجال ونساء مؤهلين، وعلى مدى سنوات عديدة، والذين إذا ما تم منحهم بيئة تتمتع بالحرية والسلام، سيخطون خطوة للوراء للتواصل مع دوافعهم الفطرية من أجل خلق عالمٍ أفضل.

إن هذه هي مهمة الثوريين، مع صدمتهم الشديدة. أو على نطاق أصغر، هي نشاطك الاجتماعي الرائد الذي سيساهم بتقديم دفعة صغيرة للأمام، والذي قد يحرر شريحة معينة من المجتمع من هذه الحلقة المفرغة: فهناك منظومة مغلقة يتم بها تداول الثروة، وهي تضم أفراداً متعلمين، ومتسلحين بتقنيات أفضل، ومدعومين برأس مال أكثر. وهؤلاء هم أفراد محصنون من خطر التأثير الخارجي، ومستقرون بفضل العقود الاجتماعية العادلة، ومؤهلون لإنشاء علاقات تكافلية فاضلة من أجل ازدهارٍ اقتصادي وتنمية بشرية تدعمان بعضهما البعض للوصول إلى آفاق جديدة.

إن الخروج من تلك الحلقة يمكن أن يبدأ بعدة طرق منها: الاستقلال الوطني، ظهور بعض القادة الأقوياء، أو في حالة الإسلام، تأسيس دين جديد. فمسار الإسلام نفسه يمنحنا نمطاً عاماً مكونٍ من ثلاث مراحل يمكن على أساسه صياغة أي ثورة، وهو مخطط أولي ممتاز لكي نعتمد ونتبنى البِتكُوين.

  1. التعليم: يتم تكوين رؤية جديدة للعالم، ثم يتم بعد ذلك تعليمها للناس بشكل طوعي، الذين يضعون إيمانهم وثقتهم بها – الإيمان.
  2. الانفصال: يتم تطبيق هذا النموذج عملياً وفيزيائياً بمعزل عن الأنظمة القائمة، وذلك لكي ينمو ويزدهر بعيداً عن أي تأثيرات خارجية سلبية – الهجرة.
  3. الحماية: عندما ينمو النموذج بالدرجة الكافية ليشكل تهديداً على الوضع القائم، لكن تظل هناك إمكانية لتدميره بالكامل، عندها، يكون نموذجاً يحتاج الحماية، وعادةً ما يتطلب صراعاً مسلحاً – الجهاد.

نحن في حركة الدينار الذهبي نعتقد أن الخروج من هذه الحلقة المفرغة سيأتي من التمكين المالي: فعندما يتبنى المسلمون والحكومات نقداً سليماً، خالياً من قيود صندوق النقد الدولي، فإن ذلك سيعطي اقتصاداتنا المفلسة القدرة على إدارة الدخل المتاح فيما يمكن استثماره في مجالات أخرى في المجتمع، مما يضعنا على طريق التقدم والتنمية البشرية. وبهذا، سيعيد الذهبُ العصرَ الذهبي، وسيُخرِجُ لنا رجالاً ونساءً يستحقون وزنهم ذهباً!

لكنه لم يستطع فعل ذلك. دعوني أشرح الأمر، وكيف سيجعل البِتكُوين ذلك أمراً ممكناً.

البِتكُوين: أداة للثورة

باتباع نموذج الثورة المكون من ثلاث مراحل، دعنا نستعرض كيف يحل البِتكُوين التحديات في كل خطوة.

1. التعليم

الرجل العادي، الذي يعرف قدر معرفته بموضوع التمويل، يعتقد، كما أشار «جون جالبريث»، أنه “هناك لغزٌ عميقٌ مرتبطٌ بعملية إنشاء النقود”. ثم يُصرِّح قائلاً، ولكن الأمر في غاية البساطة لدرجة أن: “العقل يرفضه”.

لكن الهوة ما بين النظام التعليمي التقليدي والحديث تمنع علماءنا وفقهاءنا من أن تكون لديهم القدرة من الناحية الدينية على تقييم نظام العملات الورقية الحكومية، حيث أنهم بحاجة لثلاثة مؤهلات بالغة الأهمية لعمل ذلك التقييم: مفتي تقليدي، بحوث متخصصة في فقه المعاملات، ودراسات في علم الاقتصاد الحديث. ولكن هناك حفنةٌ قليلة ممن يحققون هذه الشروط، مثل عثماني الموقر عالمياً، الذي أصبح من قادة الفكر في التمويل الإسلامي: أما البقية، فهم يسلكون الطريق السهل ويتبعون نظرياتهم. فلقد قمت مرةً بسؤال مستشارٍ شرعي معتمد على موقع LinkedIn فيما إذا كان يعرف ما يعنيه الاحتياطي الجزئي. لقد توقعت رداً مبهماً، وتبريرات مخالفة للأحكام الشرعية، لكنني فوجئت باعترافه الصريح بأنه ببساطة لم يكن يعرف ما هو.

لذلك، يقع التحدي الأول في تثقيف العامة والعلماء معاً حول ماهية النظام المالي المبني على العملات الورقية الحكومية. ثم بحشد الممارسين الأكاديميين والصناعيين الماهرين لابتكار بديل عملي يقوم على الذهب والفضة. ثم يجب أن نجعل هناك طلبٌ عليهما وذلك بالوصول إلى العامة ليتحول في النهاية إلى ضغط سياسي كافٍ كي تتبناه الحكومات، والذي بالطبع سيضر بها كثيراً. إن هذا السيناريو غير متوقع له الحدوث.

لكن يمكن توقع حدوث ذلك مع البِتكُوين، فتعليم الناس الآن أصبح أكثر تخصصاً، ويمكن توجيهه لبلوغ الأهداف. والهدف الأكبر المتمثل في تثقيف الناس حول التمويل والاقتصاد لا يزال أمراً لا غنى عنه في كلٍ من حلول النقد السليم القائمة على الذهب والبِتكُوين. ولكن مع عملة البِتكُوين، لا يتعين علينا انتظار الأكاديميين من العالم الثالث، والعلماء والفقهاء ذوي العقلية القديمة لطرح الحلول للحكومات التي لن تستسيغ هذه الحلول: فنحن سنسترجع منهم القوة وسنطرح روايتنا، وسنشرع بالعمل. وسنستخدم الأسلوب التكتيكي، ونثقف الناس بنشر الترجمة العربية المجانية لمعيار البِتكُوين، والنسخة العالمية من الكتاب، إضافة للنسخ المترجمة البالغ عددها أكثر من 20 نسخة مترجمة، وسنركز على ما هو ضروري لتحقيق هدفنا بما هو متاح في حدود إمكانياتنا من خلال الآتي: تثقيف أولئك الذي يجهلون بالموضوع… وبالطبع …. الابتعاد عن العملات الرقمية المشفرة، التثقيف بأساسيات النقود وقواعدها، ودور البِتكُوين في ردنا الإستراتيجي، وفي تثقيف الناس حول كيفية تكديس «الساتوشيز» في محفظة باردة! والبقية سنطرحها لاحقاً!

عند التفكير في الأمر، سيتضح للأسف أن تشبيهي الأولي للصحافة المطبوعة صحيح هنا. فقد جمعت الصحافة لسنواتٍ عديدة المعرفة في حزمٍ بسيطة تم نشرها بسهولة على آلاف الناس، والتي كان من الممكن لها أن تتجاوز هُوَّتنا المعرفية لو اعتمدناها في وقت سابق. عملة البِتكُوين أيضاً تمثل الحكمة الجوهرية لقرون من الخبرة الإنسانية فيما يشكل نقداً جيداً، والتي يمكن نشرها بسهولة في جميع أنحاء العالم. فهي معرفة، وأداةٌ صُنعت من تلك المعرفة. وإذا لم نلتحق بالركب فيما يخص هذه العملة، فلن نخسر فقط لـِ “ربا الرأسمالية”، ولكن حركة البِتكُوين أيضاً، ستُحرم من دعمٍ هائلٍ محتملٍ من ربع سكان العالم. فيجب أن ننضم إلى بقية البشرية في محاولة أخيرة لتحقيق المساواة في الثروة.

2. الانفصال

بعد تثقيف الناس وتوعيتها بآليات النقود والبِتكُوين، فإن الخطوة التالية ستتم بالهجرة، وهي انفصالنا عن النظام القائم حالياً.

 الباحث الإسلامي، عبد الصمد كلارك،  عَرَّف “رأس المال الربوي” على أنه: “استخدام رأس المال الذي يتم إصداره عن طريق الربا ويتم تشغيله وفقاً لمبادئ ربوية، مما يُتيح لمجموعة صغيرة من الأفراد، من خلال قواعد النقود الورقية الحكومية، أن يضاعفوا أموالهم مراتٍ عديدة، لتصبح لديهم أفضلية في ممارسة  سلطاتهم الاستثنائية، وفي مراكمة الثروات الضخمة بطريقة تضع بقية البشرية كخدمٍ وضيعين على مشاريعهم التي تزيد من ثرائهم، سواء أكان ذلك في الاستبداد المنتشر في الشرق، أو ما يُسمى رأسمالية السوق الحرة في الغرب”.

إن الاختلاف الفلسفي الجوهري بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الغربي هو بالكيفية التي ننظر بها إلى الفائدة. فالإسلام يتمسك بشكل حازم بنفس وجهة النظر الكلاسيكية اليهودية-المسيحية التي تحرمها، معتقداً أن القيمة الزمنية للنقود يتم حسابها بشكل منصف في أسلوب التمويل الذي يتقاسم مخاطر رأس المال المستثمر، بدلاً من وجود العائد المضمون الذي يصب في صالح الشخص الذي يمتلك رأس المال. ومن بين بعض الأمور الأخرى، ومن الآثار الجانبية المصاحبة لهذا الأمر هو تحريم كلٍ من حساب “الدخل المستقبلي” لإصدار النقود الورقية الحكومية، وحظر الأثر المضاعف للاحتياطي النقدي الجزئي، من خلال أحكام الربا، بيع الدَّين، بيع المعدوم.

إن مستخدمي البِتكُوين والليبراليون يعتمدون على أساسٍ فلسفي مختلفٍ تماماً للوصول جزئياً إلى النتيجة ذاتها فيما يخص النظام المالي القائم على النقود الورقية الحكومية، وذلك بأنه نظام فاسد، ظالم، ومدمرٌ اجتماعياً.

والهدف النهائي المنشود لكليهما هو ذاته: فصل أنفسنا عن النظام المالي القائم على النقود الورقية الحكومية، وإنشاء نظام مالي جديد كلياً ومستقل عن النظام القائم حالياً: الفكرة الأساسية الأصلية للتمويل اللامركزي.

لسوء الحظ، إن تأثير الفقاعة الذي لا نحبه في التمويل التقليدي – هو نفسه الآن منتشر في عالم العملات الرقمية، وهو ما تستشهد به «إلين فارينجتون» على أنه الكم الهائل من “إعادة الرهن، ووجود الرافعة المالية، وتداول السندات”، والتي إذا ما أُسيء استخدامها، يمكن أن تتسبب في مخاطر على مستوى النظام وستؤثر على الجميع. والواقع العملي للتمويل اللامركزي المعاصر في عالم غير البِتكُوين بعيد تماماً عن هدفه النظري. وبالنظر إلى هذا الجانب من عالم “العملات الرقمية المشفرة”، أخذ بعض علماء وفقهاء المسلمين على عاتقهم الاستناد إلى الأحكام المتعلقة بحظر المقامرة، وهو أمرٌ يمكننا أن نتعاطف مع دوافعه، على الرغم من أننا نختلف مع الاستنتاج النهائي الخاص به.

إن الافتقار إلى القواعد التنظيمية على المستوى الإداري لا يمكن مواجهته بالأحكام الشرعية مثل الحكم الشرعي حرام. ويمكن تشبيه هذا الوضع بِوضعٍ يتم به التصريح بأن السيارات مُحرَّمة شرعاً، لمجرد أن بعض الناس يقودونها بسرعة كبيرة ويقتلون بها الآخرين. وفي الوقت الحاضر، اهتمامانا بالكيفية التي ينظر بها العلماء والفقهاء إلى “العملات المشفرة” مقارنةً باهتمامنا بنظرتهم إلى عملة البِتكُوين هو اهتمام قليل. فالاستثمارات الجديدة البراقة في عالم التمويل اللامركزي التي تقدم عوائد غير مستدامة، إضافةً لعرض العملات الأولي (ICOs) المشبوهة، والأحلام التي تَعِدُ بالثراء السريع هي أمورٌ لا تمت بصلة عما ندعو إليه، مما نحاول تسميته فرصة ثانية للعالم الإسلامي: وهي اعتماد نقدٍ سليم قائمٍ على أساس البِتكُوين كوسيلةٍ للتبادل وتخزينٍ للقيمة.

ومما هو جدير بالثناء في عالم العملات الرقمية (التي يتقدمها البِتكُوين بالطبع) هو محاولة إنشاء هذا التنوع الجديد والمستقل تماماً من التمويل اللامركزي البديل، والمعزول عن النظام القائم حالياً. فعمليات البناء والتوسع اللامركزية هذه، المبنية على أساس البِتكُوين، هي جوهر الخطوة التالية من مخططنا الثوري: الهجرة. وهي الانتقال من القديم إلى الجديد. وكما كان إقبال سيقول: “احرق هذا العالم العابر والمؤقت، وابنِ واحداً جديداً من رماده”.

إن المحاولة الجادة الوحيدة السابقة لاستخدام النقد السليم بين المسلمين كانت من خلال حركة الدينار، لكنها تنجح فقط في الولايات القضائية المادية: بمعنى أين يتم صك النقود، أين سيتم حفظها وتخزينها، كيف سيتم نقلها، كيف سيتم تنسيق المدفوعات الإلكترونية، كيف سيتم التعامل مع اللوائح التنظيمية في القطاع المصرفي، وكيف سيتم التعامل مع الضرائب والتدخلات الحكومية؟ من الناحية النظرية، كان من الممكن إنشاء نظام مشابه، نظام مستقل تماماً لإصدار العملات، تخزينها، نقلها، وتجارتها باستخدام الذهب، لكن التقدم الحقيقي بذلك النظام كان بطيئاً للغاية.

في الوقت ذاته، نضج نظام البِتكُوين كثيراً لدرجةٍ أصبح يمكن من خلالها تصنيفه كنظامٍ مستقل ومنفصل، ومتحررٍ من كل تدخلات نظام التمويل القديم. إن البِتكُوين، بالإضافة لكلٍ من التسلسل الزمني-Timechain، مع شبكة البرق، وحلول العقود الذكية القائمة على الطبقات الثانية، والتعدين الموزع عالمياً، ومديرو العُقد، ومجتمع الداعمين له، كل هؤلاء يجتمعون لتشكيل منصة يمكن من خلالها بناء وتجريب عقود مالية إسلامية حقيقية بشكل غير ممكن تجربته باستخدام نظام التمويل التقليدي.

باستخدام هذا النظام، يمكننا إعادة إحياء المؤسسات المالية الإسلامية وتلك الاجتماعية، مثل بيت المال، والسوق، و الوقف، و النقابات، و الحوالة، والودائع، والقراض والمشاركة، لتكون متحررةً من قيود الحكومات، وقيود الأوراق المالية، والعمولات أو البنوك المركزية.

3. الحماية

بمجرد ما أن يتم تشغيل ونشر هذا النظام المنفصل، سيتوجب علينا حمايته.

من القصص التي رُويَت في التقاليد الإسلامية، أنه عندما أقبل أبو ذر الغفاري بحثاً عن النبي، أخبره علي أن يسير خلفه بضع خطوات، وإذا أحس بوجود أي شخص مشبوه، فسوف ينحني لربط رباط حذائه، وعندها سيستمر أبو ذر بالمشي قُدماً. إن هذا الأمر، مشابهٌ نوعاً ما لميزة (جمع العملات -coinjoin ) للتعتيم على المكان الذي كان ذاهباً إليه بالفعل. فعندما تكون في بداياتك، يجب عليك أن تبقى في وضع التخفي، وأن تعمل بعيداً عن الأنظار. وفي وقت لاحق، عندما تأسست الدولة الصغيرة للإسلام في مدينة مجاورة، تعيَّن عليها الدخول في عددٍ من النزاعات المسلحة للدفاع عن نفسها قبل أن يتم القضاء عليها في مهدها.

إن تشغيل ونشر نظام نقدي سليم قد يمر أيضاً بفترةٍ حرجة بحيث تحتاج فيها الشتلة الصغيرة إلى حماية مكثفة قبل أن تنمو تلك الشتلة لتصبح شجرة كبيرة. إن القوى البغيضة التي تُصدِر عملات اليوان والدولارات في العالم هي قوى ضخمة للغاية مقارنةً بكل دول العالم الثالث لتكون في مأمنٍ من الاصطدام المباشر معها. في الواقع، لا يمكننا حتى الصمود أمام هجمات السماسرة الأفراد، ناهيك عن الجهود المتضافرة من قبل العصابة المالية العالمية التي سترغب في الإبقاء على وضعها الراهن كما هو. وتُعتبر دولة السلفادور، دولةً رائدةً بشكل مثيرٍ للاهتمام في هذا المجال، وسنراقبها من موقعنا هذا، ولكن من السابق لأوانه معرفة نتيجة تجربتهم.

إذا اجتمع عدد كافٍ من مواطني دول العالم الأول معاً لتحدي حكوماتهم من أجل تبني واعتماد النقد السليم، فإن رد فعل الأنظمة القائمة على النقود الورقية الحكومية (على الأرجح) سيكون أكثر تحفظاً في التعامل معهم إذا ما قورن بردة فعل الدول المارقة في دول العالم الثالث في حال تم الاعتراض على العملة المُستخدمَة في تلك الدول. لقد أخبرني مصرفي إسلامي بارز أنه عندما حاول «مهاتير» تجربة الفكرة، تم إرسال تحذير صارم للغاية له “للتوقف والتراجع” من قبل السلطات والقوى الموجودة.

لهذا، هل يمكن لحكومة مسلمة أن تتبنى الدينار أو البِتكُوين وتنجو من عقبات ذلك؟ أنا أؤمن بفرصة حدوث ذلك بالبِتكُوين. ففقط البِتكُوين يمتلك الميزات التقنية الضرورية من حيث عدم القدرة على إيقافه أو تدميره، وهذا بدوره من الممكن له أن يحل محل الحاجة إلى قوة عسكرية دولية قوية بما يكفي لحماية نظام نقدي تقليدي سليم قائم على الذهب.

الدولة الإسلامية مقابل البِتكُوين

إن العديد من دعاة النهضة من الإسلاميين يؤمنون بخلاف ذلك، وعادة ما يكون هدف هؤلاء أكبر في نطاقه من مجال الإصلاح المالي وحده. فهدفهم يكون بمثابة مسعى أكثر شمولية لإحياء الهياكل السياسية، الاجتماعية والقانونية للحكومات الإسلامية ما قبل الاستعمار. وبوجود نشوة الصعود المذهل للإسلام في بداياته الذي تجرأ على تحدي القوى المتفوقة مثل البيزنطيين والساسانيين، فهؤلاء يعتقدون أنه من الممكن إعادة إنشاء الحكم الديني التقليدي على نفس المنوال، وأحد الآثار الجانبية لهذا الأمر يمكننا تجسيده بالقضاء على النظام المالي المبني على العملات الورقية الحكومية. إن هذه المشاريع الطموحة تقلل من أهمية إصلاح نظامنا المالي: فلا حاجة لنا للكفاح بشكل منفصل من أجله إذا حصل ذلك كنتيجة طبيعية للنهضة السياسية الأكبر.

في الوقت الحاضر، إن كابوس إحياء الوحدة الإسلامية تم شيطنته بشكل كلي تماماً في مخيلة الغربيين، من جانبنا بسبب وجود التطرف العنيف، ومن جانبهم بسبب الإسلاموفوبيا المتجذرة عميقاً لديهم، وبشكل عام بسبب الأفكار (أو الحقائق؟) مثل صدام الحضارات. لكن أصدقائي الذين يستخدمون البِتكُوين- أولئك الذين تم إعادة تشكيل أرواحهم المتحررة إلى درجةٍ لاموا فيها ذواتهم على أبسط إنفاذٍ للاستبداد من أجل تبني عملة البِتكُوين كعملة قانونية في السلفادور – سيوافقون بكل تأكيد على أنه من حق العالم الإسلامي إجراء التجارب الطوعية، على أرضهم، بأي شكل من أشكال الحكم الذين يريدونه: سواء أكان ذلك على شكل خلافة أو سَلطنات أو مملكات!

لكن حقيقة هذا الحلم في أذهان الغالبية من المسلمين المعاصرين هي حقيقة مختلفة تماماً عما يتصوره العالم. فالمسلم المعتدل يريد فقط أن تكون المبادئ الإسلامية هي المصدر الموجِّه لنظامه السياسي والاجتماعي. لكن قوة هذه الرغبة غالباً ما يتم “سرقتها” من قبل الانتهازيين، مما أدى مؤخراً إلى ظهور نَموذَجين مشوَّهَين للإسلام السياسي:

1. أولاً، النموذج الإيراني: هو نموذج واسع النطاق إلى حد ما، ومستدام، ولكنه بلا مخالب ورمزي. إنه كالتوأم السياسي للبنوك الإسلامية، ولا يقدم أي تغيير حقيقي للمواطن العادي، باستثناء الرقابة الأخلاقية. من الناحية المالية، وعلى نحو متناقض، يوجد بهذا النموذج البنك المركزي للجمهورية الإسلامية. لماذا يكون لديك بنك إسلامي إذا كنت حقاً جمهورية إسلامية؟

2. ثانياً، نموذج طالبان وداعش: هو نموذج ضيق النطاق، متطرف وغير مستدام، ومنفصل عن المجتمع الدولي. وأعلنت داعش أنها أصدرت الدينار الذهبي ولكن من دون جدوى، باستثناء ربما استخدامه كدعاية للتجنيد. والأخبار القادمة من كابول تَعِدُ بحكومة أكثر انضباطاً وتوازناً هذه المرة، لكن هل هو تغيير حقيقي للنواة، أم مجرد مصالح سياسية؟ 

لهذا، وبينما ينتظر العالم الإسلامي إصلاحاً إسلامياً حقيقياً، ويحبس العالم أنفاسه بانتظار نتائج المحاولة التالية التي تشبه هذه التجارب، فإن مشكلتي مع هذه المساعي السياسية المنتشرة في كل مكان في الخيال الإسلامي هي أنها مساعي لن تنجح! فلا يمكننا أن نُوقِف جهود الإصلاح المالي الفوري اعتماداً على وعودٍ مستقبلية تَعِد بتغيير أكبر من ذلك، بحيث سيُسهِّل ذلك التغيير حدوث ما نرجوه. وكما يقول المثل في لغة الأوردو: لن يكون الملك قادراً على توفير تسعة جالونات من الزيت للإنارة، ولن يتم إضاءة المسارح بما يكفي لتؤدي فتاته، رادها، رقصتها.

ومع ذلك، إذا افترضنا أنه قامت بالفعل حكومة إسلامية حديثة ناضجة قابلة للاستمرار من خلال معجزة جيوسياسية، وكانت وفية لمبادئ الإسلام الأساسية، ولها قاعدة عريضة من الدعم الشعبي، عندها، سيصبح السؤال الوجيه كالآتي: هل سيكون لهذه الحكومة سياسيين بما يكفي؟ وإذا لزم الأمر، هل سيكون لها القوة العسكرية لنشر نظام نقدي سليم قائم على الذهب في دولتها، ثم تنجو بعد ذلك من العقوبات والعزلة التي تلي ذلك؟

هنا بالذات تتفوق عملة البِتكُوين، مرة أخرى، على البدائل الأخرى. فالسمة الوحيدة التي تميز عملة البِتكُوين على كل “العملات الرقمية المشفرة”، وفي الواقع، كل أنواع النقود في تاريخ البشرية: مقاومتها الحقيقية للرقابة على مستوى سيادي، وهي تقاوم أيضاً كلٍ من حكومتك والقوى الأجنبية. فدون الحاجة إلى نشر الجيش أو إسقاط القنابل، تمنحنا عملة البِتكُوين القدرة على خوض معركة عادلة بل والانتصار بها. وإذا تحقق الإصلاح الإسلامي على نطاق واسع، يمكن لعملة البِتكُوين أن تدعمه أيضاً لتجاوز العقوبات المحتملة، وزيادة الثروات الوطنية!

لله عز وجل آياته في هزيمة الشر بأبسط الوسائل – فهُزم جالوت الجبار بالمقلاع، ومضطهدو النبي هُزموا بشبكة العنكبوت – وكأن في ذلك إمعاناً لذل هزيمتهم. فمن كان يظن أن الكرملين في روسيا، تشونغنانهايس في الصين، والبيت الأبيض في الولايات المتحدة، كل هذه القوى العظمى ستصبح عاجزة بسبب التقاء فكرتين أساسيتين: نظام إثبات العمل، وتغيير معامل الصعوبة في البِتكُوين! إن هذه التركيبة البسيطة الفعالة، التي يَسهل إهمالها ولم يتم فهمها، هي من السمات التي تجعل البِتكُوين أداة لا تُقهَر في أيدينا، نحن الذين نُشكِّل 99%. وبهذا، نحن لسنا بحاجةٍ لانتظار أي شخص، ويمكننا أن نفعل ذلك بأنفسنا باستخدام البِتكُوين.

الطريق الى المستقبل

في حين أن العناوين في المحافظ، الحسابات على منصات التداول، القيمة السوقية، وبالطبع حالة الحماس الضخمة حول العملات الرقمية المشفرة، في حين أن كل هذه الأمور تزداد بشكل مستمر في البلدان الإسلامية، إلا أن الكثير من هذه الأنشطة يأتي من منظور وجود أداة استثمارية جديدة براقة، وهي تمثل الحالة التي يود الجميع من خلالها تحقيق الثراء السريع. وقد أدى هذا الوضع إلى توليد نقاشات هامة حول حماية المستثمرين، وتجنب عمليات الاحتيال، بل وحدوث نقاشاتٍ على المستوى الأكاديمي حول ما إذا كانت هذه الأمور حلالاً أم حراماً، وقد كانت تلك النقاشات بسبب الافتقار الملموس لقيمةٍ جوهرية، وبسبب التحرر من سيطرة الحكومات. وفي حين أن كل هذه الاعتراضات على البِتكُوين من منظور الشريعة قد تم دحضها بشكل كامل من قبل العديد من العلماء والفقهاء، ويمكن البحث عنها بسهولة على شبكة الإنترنت، إلا أنه يجدر بنا الذكر أن استمرار وجود هذه النقاشات غير الضرورية من شأنه، بشكل جدي، أن يؤدي إلى تشتيت الانتباه: وفي خضم هذه العملية، سنفقد قدرتنا على رؤية الإمكانيات الهائلة لهذه الظاهرة الرائعة، التي تأتي لنا مرةً واحدةً في العُمر.

نحن بحاجة إلى عملة البِتكُوين، ليس لأنها استثمار هائل (وهي كذلك بالمناسبة)، ولكن لأنها مخزن ٌممتاز للقيمة ووسيلةٌ للتبادل: فهي وسيلة تبادلٍ حرة، من شأنها أن تدفعنا للنهوض بشكل جماعي إذا ما اعتمدناها بأعداد غفيرة، لكي تكون عملتنا القادمة.

إلى زملائي المسلمين، إليكم فكرتي الأخيرة الوداعية.

نحن نحب نبينا ونكرمه إلى درجةِ أنه حتى أدق تفاصيل أفعاله، أي السنة، قد تم تسجيلها وتبجيلها وإعادة عملها، حتى لو كانت بسيطة كالاقتداء بآداب المائدة في كيفية تقطيع بعض أنواع الفاكهة. ولكن لدينا هنا سُنَّة أخرى لها أهمية أكبر: النجاح.

إن التغيير الذي شرع رسول الله في تحقيقه في هذا العالم، قد حققه فعلاً. وبينما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعي عائشة، كان قد أوفى بالفعل بالوعد الذي قطعه للصحابة عندما كانوا في أقسى درجات اضطهادهم: “… حتى يسير الراكب (المسافر) من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله”.

وعلى الرغم من أننا قد نقترب قليلاً من ارتكابِ مغالطةٍ منطقية، إلا أنني سأُشير إلى أنه لم يستشهد بشيء أكثر رمزية مثل إقامة الخلافة، أو الفتوحات، أو السلطات اللاحقة. بل اختار أن يستشهد، كدليلٍ على نجاح ما كانوا يكافحون من أجله، بإقامة نظام اجتماعي معين: نظامٍ لا يخشى فيه المواطن المجهول انعدام الأمن المادي أو المالي. قلت المواطن المجهول، وليس المواطن العادي، لأن اختيار كلمة “مسافر” معبرٌ للغاية. فعندما تكون معروفاً في مدينتك، ستكون محمياً بهويتك، ومحمياً من أي نفوذٍ محتملٍ من قبل أي شركةٍ أو عشيرة، ولكن هذا الوضع يختلف كلياً عندما تكون متواجداً في أرضٍ غريبة. فهم حتى لا يعرفون اسمك، إلا إذا أخبرتهم أنت بذلك: فأنت عبارة عن عنوانٍ في محفظة. لكن هذا المسافر لا يخشى خسارة ثروته، أو أن يتعرض للسرقة، ولا يخشى عدم امتلاكه لجواز السفر الصحيح، أو لجواز التطعيم الصحيح! فهو يستطيع التنقل، ويمكنه أيضاً نقل نقوده معه.

نحن الداعون لاستخدام البِتكُوين والدينار، نساوي دائماً التضخم بالسرقة. سواء أَتمَّ ذلك بسرقة 50 روبية من رجل فقير، أو لو قَلَّت القوة الشرائية لعملته بـِ 50 روبية جراء السقوط الحر لتلك العملة، فهاتان الحالتان تمثلان النتيجة ذاتها. صحيحٌ أنه ليس كل العلل نتجت بسبب نظامنا النقدي الحالي، إلا أنه هناك عجزٌ إداريٌ واضح، وأداء اقتصادي مخيب للآمال يجب وضعهما بالحسبان – والتضخم هو بالتأكيد عامل هام للغاية. وكل حديثنا رفيع المستوى، مع شعاراتنا، وأوراقنا البحثية، وحركات الإصلاح، والأنشطة، مع وجود النزعة العسكرية قد انحرفت عن هذه السُنَّة الواحدة: النجاح في توفير الأمن والأمان لهذا المسافر مرة أخرى.

يمكن أن يساعدنا البِتكُوين على النجاح، الآن! وليس على بُعد 20 سنة، وليس عندما يقوم قائد فذ مرة أخرى بوضع هذا النظام وفصله عن النظام العالمي. بل الآن. فعندما يقوم الفقير، الأُمي، والضعيف في الشارع بالنظر إلينا نحن النخبة المثقفة والمتميزة ويسأل: ماذا فعلتم من أجل وضعٍ ينشأ فيه تكافؤ فرص بالنسبة لشخصٍ مثلي؟ قد يقول المصرفي الإسلامي: “لقد طورت لك هذا العقد المعقد لتقاسم الأرباح والخسائر المتوافق مع الشريعة الإسلامية، والذي وافق عليه مجلس العلماء والفقهاء، وهو مدعومٌ بالدينار الذهبي، لكن عليك الانتظار حتى يتم نشره”. عندها سأرد، “يا صديقي، دعني أساعدك لكي تقتني عدداً قليلاً من «الساتوشيز»، وسأشرح لك كيف تحصل على محفظة حتى لا تضطر إلى العودة إلى عملة الروبية عندما تدفع ثمن وجبتك التالية! أعتقد أنه يجب عليك أن تفعل الشيء ذاته.

يستحق البِتكُوين منا نحن المسلمين أن نتفحصه بمنظور جديد. فلنتفكر في ذلك. فلنستخدمه بشكل صحيح. هيا بنا ننشره. ولنفهمه. باختصار، هيا لنستخدم البِتكُوين.

المقالة الأصلية: BITCOIN: A SECOND CHANCE FOR THE MUSLIM WORLD
الكاتب الأصلي: ASIF SHIRAZ
ترجمة: أحمد محمد حمدان